مستقبل الإنسان- استشارات تقنية وقانونية وغذائية مجانية ضرورة حتمية
المؤلف: عبداللطيف الضويحي09.30.2025

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، تتجلى مظاهر التعقيد في حياة الفرد والمجتمع بصورة متزايدة، وذلك على الرغم من التسهيلات والمزايا التي توفرها التقنية في جوانب أخرى. فالحلول المبتكرة التي تظهر باستمرار، غالبًا ما تستتبع ظهور تحديات جمة، قد تفوق في صعوبتها تلك التي جاءت التقنية لمعالجتها، وقد لا تكون هذه التحديات مرتبطة بشكل مباشر بمجال الابتكار نفسه. ويبقى الأفراد والمجتمعات في سباق دائم للتكيف مع هذه المستجدات، ساعين للحفاظ على التوازن النفسي والاجتماعي والاقتصادي في كل مرحلة من مراحل التطور.
إن فكرة إلغاء وزارة التعليم في دولة كالولايات المتحدة الأمريكية، بغض النظر عن الدوافع السياسية والاقتصادية الكامنة وراء هذا القرار، تشير بوضوح إلى أن الحقبة القادمة ستشهد تقليصًا لدور العديد من الأدوات الإدارية التقليدية، وذلك في مقابل تعزيز وتفعيل الإجراءات التقنية في مختلف المؤسسات. فقد ألقت التكنولوجيا بظلالها على العملية التعليمية والتربوية في شتى أنحاء العالم، على الرغم من الأهمية البالغة التي يكتسبها الحفاظ على الدور الرقابي والتنظيمي ورسم السياسات الذي تضطلع به وزارة التعليم وغيرها من الوزارات في مختلف الدول.
إن التقارب الوثيق والتكامل المتزايد بين القطاعين العام والخاص يحمل في طياته تأثيرات كبيرة على الإجراءات الإدارية، حيث يميل الاتجاه نحو تفضيل الإجراءات التقنية وتقليل الترهل الإداري، وذلك وفقًا للمدرسة التجريبية والتطبيقات العملية التي يجري تنفيذها على أرض الواقع.
وفي المقابل، ستظهر أطر إدارية جديدة أكثر مرونة وكفاءة، قادرة على التكيف مع المتغيرات المتسارعة، ولكن قد يكون ذلك على حساب الكوادر البشرية والأنظمة والمؤسسات القائمة.
وفي هذا السياق، أرى أنه من الضروري أن يتمتع كل فرد في العصر الحديث بمستشار تقني مجاني، ومستشار قانوني مجاني، ومستشار غذائي صحي مجاني، باعتبارها حقوقًا أساسية لا غنى عنها. ويتطلب ذلك سن تشريعات تضمن توفير هذه الاستشارات المجانية السريعة والموثوقة والمباشرة للجميع، وذلك نظرًا لأهمية هذه المجالات في حياة الإنسان المعاصر وتأثيرها المباشر على رفاهيته.
فحياة الإنسان أصبحت أكثر عرضة للمخاطر المتزايدة بسبب التعقيدات القانونية والتشريعية، والتغيرات المستمرة في القوانين، مما يستدعي الحاجة إلى مساعدة الأفراد في فهم حقوقهم وواجباتهم. كما أن التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا قد أفرزت مخاطر سيبرانية وعمليات نصب واحتيال تتطلب معرفة كيفية التعامل معها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تفشي الأوبئة يستدعي زيادة الوعي وتعزيز الثقة بالمؤسسات الصحية ومكافحة الشائعات والمعلومات المضللة.
إن تراجع ثقة الناس في وسائل الاتصال المفتوحة، وما تنقله من معلومات مغلوطة ومكذوبة، بالإضافة إلى الفجوة الكبيرة في الوصول إلى الخدمات والتكلفة الباهظة التي لا يستطيع تحملها الكثيرون، كل ذلك يزيد من الحاجة إلى توفير استشارات موثوقة وسريعة ومباشرة للجميع، باعتبارها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان.
إن توفير المستشارين التقنيين والقانونيين والصحيين والغذائيين المجانيين هو مطلب إنساني وتنموي متزايد، يهدف إلى تخفيف معاناة الإنسان في مواجهة المستجدات والتغيرات المستمرة. فهذه الخبرات ضرورية لتوفير الأمان واتخاذ قرارات مستنيرة، وبناء مجتمعات أكثر صحة وازدهارًا وعدلاً.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته برامج التحول الرقمي، لا تزال بعض المؤسسات والمنصات تعتمد على نسختين من الإجراءات: إجراءات إدارية تقليدية، وإجراءات تقنية. ولم تحسم هذه المؤسسات بعد ما إذا كانت ستتخلى عن الإجراءات الإدارية التقليدية أم أنها ستنجح في دمجها مع الإجراءات التقنية. وإلى أن تتمكن هذه المؤسسات من توحيد إجراءاتها، فمن المحتمل أن نشهد اختفاء مؤسسات تقليدية مثل وزارة التعليم في أمريكا وغيرها من الدول.